أخر الاخبارمنوعات وفنون

ظهور الشيخ البرعي في شوارع الإمارات بين التصوف والخيال الشعبي

ظهور الشيخ البرعي في شوارع الإمارات بين التصوف والخيال الشعبي

أثار مقطع مصوّر لرجل مسن يتجول في أحد شوارع الإمارات ضجة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن زعم أحد الأشخاص أنه التقى بهذا الرجل، وتعرّف عليه على أنه الشيخ الصوفي السوداني الشهير محمد عثمان صالح البرعي، المعروف اختصارًا بـ”البرعي”، والذي تُوفي في عام 2005.
الرجل الذي التقط الصورة قال في شهادته المتداولة:
“ذهبت إليه، وقبّلت يده، وتحدثت معه، ورافقته إلى مكان ما… والله، أقسم أنه هو الشيخ البرعي بعينه”.
القصة أثارت ردود فعل متباينة بين مصدق ومشكك، وبين من رآها كرامة صوفية ومن عدّها وهمًا أو تشابهًا في الهيئة فقط. فما حقيقة هذا الظهور؟ وهل يمكن للبرعي أن يعود؟ أم أن للأمر تفسيرًا اجتماعيًا ونفسيًا آخر؟ دعونا نغوص في خلفية الرجل، وفي الثقافة الصوفية التي لطالما كانت حافلة بقصص الكرامات والخوارق.

من هو الشيخ البرعي؟
الشيخ محمد عثمان صالح البرعي، وُلد في السودان عام 1902 وتوفي عام 2005. كان من أعلام التصوف في السودان، وتحديدًا في منطقة الزبير، واشتهر بأشعاره الروحية ومدائحه النبوية التي تحوّلت إلى جزء من الذاكرة الدينية والثقافية للسودانيين. كان شاعرًا وشيخًا ومربيًا، تميّز بالزهد والورع، وتعلقت به جموع المريدين، ليس فقط في السودان، بل في مناطق واسعة من إفريقيا.
حظي البرعي باحترام عميق داخل الأوساط الدينية، واعتبره كثيرون “وليًا صالحًا” من أولياء الله، حتى بعد وفاته. وقد نُسجت حوله عشرات القصص عن الكرامات والتجليات.

ماذا حدث في الإمارات؟
وفقًا للناشر، فقد التُقطت الصورة قبل أسبوع من نشر القصة، لرجل مسن، يرتدي الزي السوداني التقليدي، يتجول في أحد شوارع الإمارات. لم يكن المظهر الغريب وحده هو ما أثار الانتباه، بل الشبه الكبير بين الرجل وبين صور الشيخ البرعي المعروفة.
لكن ما جعل القصة تنتشر كانت شهادة الشخص الذي التقط الصورة، والذي زعم أنه تحدث إلى الرجل، وشعر أنه هو البرعي، بل ورافقه إلى مكان ما – دون تفاصيل إضافية – وأقسم أنه كان الشيخ بعينه.

التصوف والكرامات: هل يمكن أن يظهر “الميت”؟
في الفكر الصوفي، يُعتبر الأولياء الصالحون أحياء عند الله، ووجودهم لا ينتهي بالموت الجسدي. يقول الصوفية إن بعض الأولياء يظلون يتنقلون بين العوالم، يزورون محبيهم، يظهرون في أحلامهم، وقد يتجسدون أحيانًا في صور محسوسة، ليست لأجسادهم بل كـ”تجلّيات روحية”.
ومن هنا، فإن كثيرًا من مريدي الطرق الصوفية لا يستبعدون ظهور شيخهم في اليقظة أو في الرؤيا، خاصة إن كان من “الكُمّل”، وهو وصف يطلق على كبار الأولياء.
لكن يظل هذا الاعتقاد خارج إطار التفسير العقلاني والعلمي، ويعتمد بشكل كامل على الإيمان والوجدان الفردي.

تشابه أم كرامة؟
لا يمكن استبعاد أن ما جرى هو ببساطة حالة تشابه في الهيئة، وهي ظاهرة طبيعية. هناك الملايين ممن يشبهون شخصيات عامة أو تاريخية، دون أن تكون لهم صلة بها. ولعل الرجل الذي شوهد في الإمارات مجرد شخص مسن يشبه الشيخ البرعي، وتصادف أن التقاه أحد المريدين، فانسحب عليه الشبه مع مشاعر الحنين والتقديس، ليصدق قلبه ما تمنى أن يراه.
من جهة أخرى، يرى البعض أن الوجد الصوفي قد يلعب دورًا. فالمريد عندما يغرق في حب شيخه، قد يرى تجلياته في كل مكان، وقد لا يميز بين الحقيقة والرمز.

ردود الفعل في السودان
في السودان، استقبل الناس القصة بمزيج من الذهول والحنين. البعض قال إنها كرامة، والبعض الآخر اعتبرها “دجلًا” أو تضليلاً. بينما اكتفى كثيرون بالتعليق: “الله أعلم… وما في شيء بعيد على أولياء الله”.
كما دعت بعض الأصوات إلى التروي وعدم التسرع في تصديق القصص الخارقة، مطالبة باحترام مقام الشيخ دون الانجرار وراء روايات قد تسيء له بدل أن تكرّمه.

ما بين الإيمان والتأمل
سواء كان الرجل الذي ظهر في الإمارات هو البرعي فعلاً – بمعجزة خارقة – أو شخصًا عاديًا تشابهت ملامحه مع الشيخ الراحل، تبقى القصة مثيرة، وتكشف عن عمق العلاقة بين المتصوفة ومشايخهم، وعن حضور الرموز الدينية في الوجدان الشعبي، حتى بعد موتها.
الكرامة في التصوف لا تحتاج إثباتًا ماديًا دائمًا، بل هي لحظة وجد، وشعور داخلي يتجاوز الحس. لكن في زمن الصورة والفيديو، يصبح السؤال حتميًا: هل نحن أمام معجزة؟ أم خدعة بصرية؟ أم مجرد حاجة نفسية لرؤية البرعي من جديد؟
الله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى